الهاجس
12-12-2005, 08:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ العربي مليء بالكثير من القصص والروايات التاريخية التي سطرها المؤرخون فيما بين صفحاتها ، ويبقى بعض هذه القصص في ذاكرة القاريء والسامع كالأسطورة لشهرتها وذيوع صيتها وتسلسل أحداثها المسيطر في الذاكرة .
وحرب " داحس والغبراء " تتمتع بشهرة واسعة حتى أصبحت كتلك الأساطير .. كما هي الشهرة الواضحة لحرب البسوس .. وفي الحقيقة ان كلا القصتين قد اتفقت اسباب حربيهما .. فكما نعلم أن حرب البسوس كانت شرارة بدء حربها بسبب ناقة .. وهي ناقة المرأة المسماة " البسوس " تلك التي شبت نيران الحرب بسببها .. والقرينة الأخرى أن أحداث ووقائع كلتا الحربين دامت مدة أربعين عاما ....
أترككم مع القصة :
من أهم الحروب المروعة المؤلمة التى قامت بسبب السباق هى حرب (داحس والغبراء) وهى أشهر من نار على علم فى تاريخ العرب ، وقد احتدمت نارها أربعين عاماً بين قبيلتى عبس وذبيان أبنى بغيض بن ريث بن غطفان. والسبب الذى اشعل الشرارة الأولى لنيران هذه الحرب الضروس كان السباق الذى أجرى بين الفرسين داحس وكان فحلاً لقيس بن زهير العبسى ، والغبراء وكانت حجراً (أنثى) لحمل بن بدر الذبيانى ، وكان قد تم الاتفاق بين الطرفين على رهان قدره مائة بعير وجعلا منتهى الغاية (مسافة السابق) مائة غلوة ومدة للإضمار قدرها أر بعون يوماً. وعند انتهاء مدة الإضمار (تدريب الخيل للسباق) وحلول موعد السباق قيد الفرسان إلى موضع الانطلاق وكان حمل بن بدر صاحب الغبراء قد أعد كميناً من بعض فتيان قبيلته وراء بعض التلال على مسالك طريق السباق وأمرهم بالوثوب بوجه الفرس داحس إن جاء سابقاً فيجفل وينحرف عن الطريق المعين ويؤمن فوز الغبراء، وبدأ السباق وكانت الغبراء فى الطليعة فى بادئ الأمر ولكن سرعان ما انتزع داحس القيادة منها بدون جهد (وهذا ما كان يخشاه حمل بن ندر) ومضى الفرسان فى السباق وكان تفوق داحس واضحاً لا شك فيه إلا أنه ما كاد يصل إلى موقع الكمين حتى خرج فجأة الفتيان من المخبأ ووثبوا بوجهه فجفل ووقع وأوقع فارسه ، وبهذا فسح المجال للغبراء للفوز ، ثم نهض فارس داحس وامتطى صهوة جواده ثانية بعد أن تأكد من عدم إصابته بعطب وانطلق داحس بفارسه كالصاعقة إثر الغبراء وكاد أن يظفر بها لولا قصر المسافة المتبقية لخط النهاية الذى أنقذ الغبراء وحرم داحساً من نصر محقق رغم المؤامرة التى دبرت له أثناء السباق. فازت الغبراء وطالب صاحبها بدر بالرهان وكاد أن يحصل عليه لولا أن المؤامرة انكشفت وبان زيف السباق بعد أن ندم فتيان الكمين على فعلتهم الشنعاء واعترفوا بإيعاز حمل بن بدر إليهم فى تنفيذ المؤامرة ، وقد حكم المحكمون الرهان إلى قيس بن زهير العبسي فرضخا للأمر بالفوز لداحس وطالبوا حمل بن بدر وأخاه حذيفة بن بدر بإعطاء الرهان إلى قيس بن زهير
وفي ذلك قال قيس :
وما لاقيت من حمل بن بدر = واخوته على ذات الأصاد
هم فخروا على بغير فخر = وردوا دون غايتهم جوادى
فى هذه المرحلة حيث انتهى السباق المغشوش بدأت نذر الشؤم تحوم حول القبيلتين وغيوم الحرب تتلبد فى سماء عبس وذبيان تنذرهم بشر مستطير وحرب طاحنة لا تبقى ولا تذر. انتهى الأمر بسلام و كادت نار الفتنة أن تخمد وتهمد لولا أن أثارها جماعة السوء من قوم حذيفة بن بدر بتحريض من حمل شقيق حذيفة وذلك بأن لاموا حذيفة على تسليمه بالأمر الواقع وإعطائه الرهان إلى قيس ، وقرعوه على ضعفه تجاهه وأوغروا صدره ، وبدأت خيوط المأساة تحاك من جديد فقد أرسل حذيفة إلى قيس يطالبه بإرجاع الرهان ولم يكن من المنتظر أن ينال هذا الطلب غير الرفض، وقد طال الجدل بينهما بدون جدوى ، وتطور النقاش إلى تراشق بالكلمات البذيئة كان بن حذي فة قد تمادى فى التطاول على قيس بالشتائم فما كان من قيس إلا أن طعنه برمح بالقرب منه وأرداه قتيلاً. و طل إله الحرب بوجهه البشع مرة ثانية ، ولكن العقلاء ورسل الخير من الطرفين قد تدخلوا وأنهوا النزاع بفر ض دية المقتول على قيس الذى وافق على تقديمها دفعاً للشر وتجنباً لوقوع مالا تحمد عقباه بين العشيرتين الشقيقتين. كان المفروض أن تتوقف أعمال العدوان بعد أن سوى النزاع وارتضاه الطرفان إلا أن روح الشر الكامنة بحذيفة بن بدر وأخيه حمل أبت ألا تخلق ما من شأنه أن يفسد الجو بين أولاد العم ، فبعد بضعة ايام من مقتل ابن حذيفة حرض حذيفة بعض رجال قبيلته على اغتيال مالك بن زهير شقيق قيس قد تم تنفيذ هذا الاغتيال. وجرت محاولات لإصلاح ذات البين ، وقد امتنع رؤساء عشائر عن المصالحة إلا أن قيس بن زهير كان أكثر تسامحاً من زملائه رؤساء العشائر وقبل الدية عن مقتل أخيه مالك ووافق رؤساء العشائر على مضض ، إلا أن حذيفة رفض إعطاء الدية رغم تسامح قيس الذى كان يروم إرجاع المياه إلى مجاريها بين أولاد العم ، فحلت الكارثة وقامت الحرب
فقال عنترة العبسى فى مقتل مالك:
فلله عيناً من رأى مثل مالك = عقيرة قوم إن جرى فرسان
فليتهما لم يجريا قيد غلــوة = وليتهما لم يرسلا لرهــان
التاريخ العربي مليء بالكثير من القصص والروايات التاريخية التي سطرها المؤرخون فيما بين صفحاتها ، ويبقى بعض هذه القصص في ذاكرة القاريء والسامع كالأسطورة لشهرتها وذيوع صيتها وتسلسل أحداثها المسيطر في الذاكرة .
وحرب " داحس والغبراء " تتمتع بشهرة واسعة حتى أصبحت كتلك الأساطير .. كما هي الشهرة الواضحة لحرب البسوس .. وفي الحقيقة ان كلا القصتين قد اتفقت اسباب حربيهما .. فكما نعلم أن حرب البسوس كانت شرارة بدء حربها بسبب ناقة .. وهي ناقة المرأة المسماة " البسوس " تلك التي شبت نيران الحرب بسببها .. والقرينة الأخرى أن أحداث ووقائع كلتا الحربين دامت مدة أربعين عاما ....
أترككم مع القصة :
من أهم الحروب المروعة المؤلمة التى قامت بسبب السباق هى حرب (داحس والغبراء) وهى أشهر من نار على علم فى تاريخ العرب ، وقد احتدمت نارها أربعين عاماً بين قبيلتى عبس وذبيان أبنى بغيض بن ريث بن غطفان. والسبب الذى اشعل الشرارة الأولى لنيران هذه الحرب الضروس كان السباق الذى أجرى بين الفرسين داحس وكان فحلاً لقيس بن زهير العبسى ، والغبراء وكانت حجراً (أنثى) لحمل بن بدر الذبيانى ، وكان قد تم الاتفاق بين الطرفين على رهان قدره مائة بعير وجعلا منتهى الغاية (مسافة السابق) مائة غلوة ومدة للإضمار قدرها أر بعون يوماً. وعند انتهاء مدة الإضمار (تدريب الخيل للسباق) وحلول موعد السباق قيد الفرسان إلى موضع الانطلاق وكان حمل بن بدر صاحب الغبراء قد أعد كميناً من بعض فتيان قبيلته وراء بعض التلال على مسالك طريق السباق وأمرهم بالوثوب بوجه الفرس داحس إن جاء سابقاً فيجفل وينحرف عن الطريق المعين ويؤمن فوز الغبراء، وبدأ السباق وكانت الغبراء فى الطليعة فى بادئ الأمر ولكن سرعان ما انتزع داحس القيادة منها بدون جهد (وهذا ما كان يخشاه حمل بن ندر) ومضى الفرسان فى السباق وكان تفوق داحس واضحاً لا شك فيه إلا أنه ما كاد يصل إلى موقع الكمين حتى خرج فجأة الفتيان من المخبأ ووثبوا بوجهه فجفل ووقع وأوقع فارسه ، وبهذا فسح المجال للغبراء للفوز ، ثم نهض فارس داحس وامتطى صهوة جواده ثانية بعد أن تأكد من عدم إصابته بعطب وانطلق داحس بفارسه كالصاعقة إثر الغبراء وكاد أن يظفر بها لولا قصر المسافة المتبقية لخط النهاية الذى أنقذ الغبراء وحرم داحساً من نصر محقق رغم المؤامرة التى دبرت له أثناء السباق. فازت الغبراء وطالب صاحبها بدر بالرهان وكاد أن يحصل عليه لولا أن المؤامرة انكشفت وبان زيف السباق بعد أن ندم فتيان الكمين على فعلتهم الشنعاء واعترفوا بإيعاز حمل بن بدر إليهم فى تنفيذ المؤامرة ، وقد حكم المحكمون الرهان إلى قيس بن زهير العبسي فرضخا للأمر بالفوز لداحس وطالبوا حمل بن بدر وأخاه حذيفة بن بدر بإعطاء الرهان إلى قيس بن زهير
وفي ذلك قال قيس :
وما لاقيت من حمل بن بدر = واخوته على ذات الأصاد
هم فخروا على بغير فخر = وردوا دون غايتهم جوادى
فى هذه المرحلة حيث انتهى السباق المغشوش بدأت نذر الشؤم تحوم حول القبيلتين وغيوم الحرب تتلبد فى سماء عبس وذبيان تنذرهم بشر مستطير وحرب طاحنة لا تبقى ولا تذر. انتهى الأمر بسلام و كادت نار الفتنة أن تخمد وتهمد لولا أن أثارها جماعة السوء من قوم حذيفة بن بدر بتحريض من حمل شقيق حذيفة وذلك بأن لاموا حذيفة على تسليمه بالأمر الواقع وإعطائه الرهان إلى قيس ، وقرعوه على ضعفه تجاهه وأوغروا صدره ، وبدأت خيوط المأساة تحاك من جديد فقد أرسل حذيفة إلى قيس يطالبه بإرجاع الرهان ولم يكن من المنتظر أن ينال هذا الطلب غير الرفض، وقد طال الجدل بينهما بدون جدوى ، وتطور النقاش إلى تراشق بالكلمات البذيئة كان بن حذي فة قد تمادى فى التطاول على قيس بالشتائم فما كان من قيس إلا أن طعنه برمح بالقرب منه وأرداه قتيلاً. و طل إله الحرب بوجهه البشع مرة ثانية ، ولكن العقلاء ورسل الخير من الطرفين قد تدخلوا وأنهوا النزاع بفر ض دية المقتول على قيس الذى وافق على تقديمها دفعاً للشر وتجنباً لوقوع مالا تحمد عقباه بين العشيرتين الشقيقتين. كان المفروض أن تتوقف أعمال العدوان بعد أن سوى النزاع وارتضاه الطرفان إلا أن روح الشر الكامنة بحذيفة بن بدر وأخيه حمل أبت ألا تخلق ما من شأنه أن يفسد الجو بين أولاد العم ، فبعد بضعة ايام من مقتل ابن حذيفة حرض حذيفة بعض رجال قبيلته على اغتيال مالك بن زهير شقيق قيس قد تم تنفيذ هذا الاغتيال. وجرت محاولات لإصلاح ذات البين ، وقد امتنع رؤساء عشائر عن المصالحة إلا أن قيس بن زهير كان أكثر تسامحاً من زملائه رؤساء العشائر وقبل الدية عن مقتل أخيه مالك ووافق رؤساء العشائر على مضض ، إلا أن حذيفة رفض إعطاء الدية رغم تسامح قيس الذى كان يروم إرجاع المياه إلى مجاريها بين أولاد العم ، فحلت الكارثة وقامت الحرب
فقال عنترة العبسى فى مقتل مالك:
فلله عيناً من رأى مثل مالك = عقيرة قوم إن جرى فرسان
فليتهما لم يجريا قيد غلــوة = وليتهما لم يرسلا لرهــان