كيـ عيناوية ـفي
26-07-2006, 04:19 PM
صاحب الدماغ الذهبي
كان في عداد القافله التي استقبلتها رقعة الارض طفل غريب الشكل كبير الرأس ثقيل الجمجمه , وقد اجمع الاطباء على ان لا حياة ترجى لهذا المخلوق , الا انه رغم شذوذه استطاع العيش وكان يعاني مشقه كبيره في سيره لاختلال توازنه . وما اكثر ما كنت تشهده يتدحرج من اعلى الدرج او يصطدم بأثاث البيت فيقع ارضاً . وعوضاً من ان ينزف الدم من راسه كانت تتعلق بعض ذرات من الذهب على شعره , وبهذه الوسيله ادرك الوالدان سر تضخم جمجمه ولدهما , وعرفوا انه يملك دماغ من الذهب بدلاً من الياف الاعصاب .
وعني الوالدان بولدهما عنايه فائقه , فحرموه الاختلاط مع اولاد الشارع او التردد على المجتمعات او الانديه خوفاً من افتضاح امره , واطلاع احد الغرباء على ذلك الكنز الذي يختزنه في جمجمته . وبقي هذا سراً مكتوماً عن الولد نفسه , الذي قضى معظم ساعاته في التنقل من غرفه الى اخرى او قابعاً في المنزل يتحمل وقع الصدمات المتتاليه الاليمه . ولم شارف سن الثامنه عشره كاشفه والده عن سر شذوذه واماطا اللثام عن ذلك الكنز الذي منحته اياه الاقدار . فأبرقت اساريه وزال عنه انكماشه , وللفور عصر بيده على جمجمته وانتزع منها قطعه من الذهب وهبها لوالديه مكافأه لهما على عنايتهما به وحنانهما عليه ورعيتهما له ...
وما اسرع ما اعترته نشوه الفرح فأذهلته تلك الذخائر . لذلك هم ان يجوب البلاد ويهجر بيت والده , متعجباً بذلك المال الوفير الذي اخذ ينز به دماغه , قاصداً دور الملاهي فآثر ان يطوف المدن منتزعاً بين الآونه والاخرى قطعه من ذهب دماغه , ومبدداً تلك الثروه المخزونه على الخسيس من طيبات الحياه , وصاحبه مره رفيق سوء غافله في سكون الليل بعد ان اتزع قطع من الذهب من صلب دماغه ولاذ بالفرار تاركاً اياه يتلو ويذوب حسره , وخصوصاً وقد بدأت تظهر علامات الاعياء عليه من جراء نقص كميه الذهب التي كانت تملاء فراغ جمجمته .
ودارة عجلت الايام فوقع صاحب الدماغ الذهبي في حب فتاه هام بها واستسلم اليها . فبدأ ينفق عليها بسخاء منتزعاً القطعه تلو الاخرى من ذهب دماغه ليرضي فاتنته التي سحرته بجمالها , وكانت حبيبته تهوى كل نفيس , لذلك اخذت تغالي في الاسراف والتبذير ولا تحسب حساباً لشيء ما دام حبيبها ينقدها قطعه من الذهب تلو الاخرى . وفجأه توفيت تلك الفاتنه فاحتفل بجنازتها احتفالاً رائعاً , واسرف في العطاء والنفاق وما انتهى من تلك المراسيم حتى نضب معينه ولم يبقى معه سوى ذرات قليله من الذهب التصقت حول تلافيف جمجمته .
واخيراً استفاق لحاله فإذا هو كالمخبول يجوب الشوارع ويذرع الطرقات فاقد وعيه والتزانه , فيقف امام حانوت فتشتاق نفسه الى بعض الحاجيات فلا يستطيع شراءها لان ذهب دماغه قد نفد , فأصبح صاحب الدماغ الذهبي عنوان التعاسه ومضرب المثل في البؤس والشقاء . وهكذا اصبحت حياته عبره لنا , وسيرته امثوله لكل متهور غير متزن .
(( النهايه ))
للكاتب الفرنسي الفونسو دودي
مختاراة من
روائع
القصص العالميه
إعداد منير وجوزيف عبود
كيفي عيناوية
كان في عداد القافله التي استقبلتها رقعة الارض طفل غريب الشكل كبير الرأس ثقيل الجمجمه , وقد اجمع الاطباء على ان لا حياة ترجى لهذا المخلوق , الا انه رغم شذوذه استطاع العيش وكان يعاني مشقه كبيره في سيره لاختلال توازنه . وما اكثر ما كنت تشهده يتدحرج من اعلى الدرج او يصطدم بأثاث البيت فيقع ارضاً . وعوضاً من ان ينزف الدم من راسه كانت تتعلق بعض ذرات من الذهب على شعره , وبهذه الوسيله ادرك الوالدان سر تضخم جمجمه ولدهما , وعرفوا انه يملك دماغ من الذهب بدلاً من الياف الاعصاب .
وعني الوالدان بولدهما عنايه فائقه , فحرموه الاختلاط مع اولاد الشارع او التردد على المجتمعات او الانديه خوفاً من افتضاح امره , واطلاع احد الغرباء على ذلك الكنز الذي يختزنه في جمجمته . وبقي هذا سراً مكتوماً عن الولد نفسه , الذي قضى معظم ساعاته في التنقل من غرفه الى اخرى او قابعاً في المنزل يتحمل وقع الصدمات المتتاليه الاليمه . ولم شارف سن الثامنه عشره كاشفه والده عن سر شذوذه واماطا اللثام عن ذلك الكنز الذي منحته اياه الاقدار . فأبرقت اساريه وزال عنه انكماشه , وللفور عصر بيده على جمجمته وانتزع منها قطعه من الذهب وهبها لوالديه مكافأه لهما على عنايتهما به وحنانهما عليه ورعيتهما له ...
وما اسرع ما اعترته نشوه الفرح فأذهلته تلك الذخائر . لذلك هم ان يجوب البلاد ويهجر بيت والده , متعجباً بذلك المال الوفير الذي اخذ ينز به دماغه , قاصداً دور الملاهي فآثر ان يطوف المدن منتزعاً بين الآونه والاخرى قطعه من ذهب دماغه , ومبدداً تلك الثروه المخزونه على الخسيس من طيبات الحياه , وصاحبه مره رفيق سوء غافله في سكون الليل بعد ان اتزع قطع من الذهب من صلب دماغه ولاذ بالفرار تاركاً اياه يتلو ويذوب حسره , وخصوصاً وقد بدأت تظهر علامات الاعياء عليه من جراء نقص كميه الذهب التي كانت تملاء فراغ جمجمته .
ودارة عجلت الايام فوقع صاحب الدماغ الذهبي في حب فتاه هام بها واستسلم اليها . فبدأ ينفق عليها بسخاء منتزعاً القطعه تلو الاخرى من ذهب دماغه ليرضي فاتنته التي سحرته بجمالها , وكانت حبيبته تهوى كل نفيس , لذلك اخذت تغالي في الاسراف والتبذير ولا تحسب حساباً لشيء ما دام حبيبها ينقدها قطعه من الذهب تلو الاخرى . وفجأه توفيت تلك الفاتنه فاحتفل بجنازتها احتفالاً رائعاً , واسرف في العطاء والنفاق وما انتهى من تلك المراسيم حتى نضب معينه ولم يبقى معه سوى ذرات قليله من الذهب التصقت حول تلافيف جمجمته .
واخيراً استفاق لحاله فإذا هو كالمخبول يجوب الشوارع ويذرع الطرقات فاقد وعيه والتزانه , فيقف امام حانوت فتشتاق نفسه الى بعض الحاجيات فلا يستطيع شراءها لان ذهب دماغه قد نفد , فأصبح صاحب الدماغ الذهبي عنوان التعاسه ومضرب المثل في البؤس والشقاء . وهكذا اصبحت حياته عبره لنا , وسيرته امثوله لكل متهور غير متزن .
(( النهايه ))
للكاتب الفرنسي الفونسو دودي
مختاراة من
روائع
القصص العالميه
إعداد منير وجوزيف عبود
كيفي عيناوية