المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة إليك أمي من ابنك العائدإلى الله



فراشة الهير
01-06-2006, 07:27 PM
أمي الحبيبة
بعد طول غياب عنك ...أعود ثانية إليك ...وهل لي عودة إلا إليك ،أروي لك أخباري وأحكي لك تفاصيل التفاصيل ...فأنت من يسمعني وبدون ملل ....وأنت من يفهمني ولاأحد سواك....

شوقي لك كبير كبير ...والأشياء مرت بي كثيرة لاأعرف كيف وبم أبدأ.....فقد مضى زمن طويل على آخر رسالة مني لك....وأمور كثيرة كثيرة قد مرت معي منذ ذلك الحين عرفت مجملها ..ولكن ماأود أن أحكيه لك هو التفاصيل ...وأدق التفاصيل ...التي أحب أن تشاركيني بها هنا في غربتي حتى ولو بعد حين....

...من أين أبدا ...هل أبدأ من نهاية السنة الرابعة لي هنا في غربتي في الجامعة ....أم لعلي سأذكر لك منها بعض المقتطفات ....

هذه السنة الحافلة المزدحمة ....بالأحداث والصور ...والمشاعر ..بالأشياء الصغيرة الصغيرة ....لن تتصوري مهما قلت ...إن هذه السنة بالذات رغم صعوبتها ..ورغم ازدحام المواد فيه... ورغم الضغوط الكبيرة و العمل المتواصل ورغم كل هذا و ذاك كم هي أثيرة قريبة مني ....ومحببة إلى قلبي ..صدقيني إن قلت أن هذه السنة بالذات هي أجمل سنة حتى الآن قد عشتها حتى الان

كانت أجمل سنة من ناحية الدراسة والكلية فقد أدركت عندها معنى الطب الحقيقي ...أحسست بمتعة ذلك ...
كنت لثلاث سنوات مرت أقنع نفسي بأن هذا الفرع هو الملائم لي ولكن لاأجد حلاوته

والآن مع دوام المشفى وزيارة المرضى ..أحببته ..تذوقته ...ووجدت نفسي فيه أخيرا ....

أما مع أصدقائي..فقد كنا معأ دائما الشلة الرائعة ...وأحسست أننا قد كونا شيئاً رائعاً حقيقياً.... ... وكنا سعداء جداً بصداقتنا
شيئاً وحيداً كنت أفتقده ...كان يعذبني من الداخل عدم وجوده ...وكنت أصم أذني عن ندائه الخافت المتعب

هذا الشيء بدا جلياً واضحاً وارتفع صوته حين انتهى الدوام في الكلية وانقطعت عن الدوام للدراسة ....

وفتحت عيني ....كم زاد بعدي عن الله....كم زادت جفوتي ....لقد صار المسافات بيني وبين الله كبيرة كبيرة

كم شغلتني صداقاتي وأغنياتي ولهوي وأمسياتي ...والدوام والكلية... والقصص التي لاتنتهي كانت كل عالمي ،أخذت كل تفكيري .. وسحبتني شيئاً فشيئاً إلى الخلف مسافات شاسعة ....رغم ذلك ..لم أفهم هذا الشعور الغريب بالفراغ ...بالوحدة رغم الزحام حولي ...كنت أبحث عن شيء حقيقي يملأ أعماقي ....وهذا البحث عن شيء لاأعرفه قد أرهقني ..حتى مللت البحث ...رغم حاجتي الكبيرة له...


لست أدري كيف أصف لك فترة الدراسة والاستعداد للامتحان..إحساس آخر غريب كان يسيطر علي بأن شيئاً ما سيحصل ...فقد كانت أكوام الكتب كبيرة كبيرة أمامي ..وكلما راودتني فكرة الرسوب كنت أستبعدها ...مستحيل ..بل هو الجنون ....كانت فكرة تخطر لي بلا وعي فأرددها بلا تفكير ويلفظها فكري رافضاً أن يقتنع بها ..رغم إحساسي العميق بها

ومضى الإمتحان ولم يكن جيداً ولكن ...لم يكن سيئاً أيضاً ...
وماإن انتهيت من الامتحان ...حتى نادتني أعماقي العطشى .....وجرتني قدماي بدون أن أشعر لأذهب على المسجد القريب ....

آه ..كم مضى زمن طويل لم أدخل فيه بيت الله....لم أزره
رغم حاجتي وعطشي ...وقحطي ....وقسوتي
دخلت ...وكان المسجد خاويا إلا من بعض المصلين الذين ينتظرون أذان المغرب ....

الهدوء والسكينة يجللان المكان بحلة من المهابة والوقار ....وأسندت رأسي المتعب المنهك إلى الحائط وانا خاو إلا من شعور التقصير والبعد ....وكان المؤذن يقول بصوت شجي ...الله أكبر ....أشهد ألا إله إلا الله.....

لاأدري كيف أصف هذه اللحظات ....لاأعرف كيف أصف شعوري .....بلحظة فهمت كل شيء ..وأضاءت لي كوني..

لا شيء حقيقي في الوجود إلا الله......هو وحده المتعال الجبار .....الغفور ...الكريم.....يومها أدركت ..كم أنني ظامئ.....وكم أنني صحراء قاحلة من الجدب والعطش ....كلمة لا إله إلا الله ...حين رددتها وراء المؤذن ...وكأنني أرددها لأول مرة .....كنت أفهم فيها ألف معنى ومعنى ....كانت جدران المسجد الصغير تنادي كلها لا إله إلاالله...وأعماقي عطشى عطشى ..

عطشي للحقيقة استنفذ كل قواي ....والغيث يلوح في السماء ....وأعماقي تستصرخه أن أفض علي من مغفرتك وعفوك يا الله...

وبلحظة فهمت.. . إحساس الطمأنينة الذي كنت أحتاجه...

الحقيقة التي قضيت عشرين عاماً أبحث عنها ...فيمن حولي ولم أجدها .....

كنت أستجديها منهم ....وما من مجيب ...لأنها بكل بساطة لاأحد يمتلكها .....

هل أدركت شعوري يومها ......هو شعور الغريق الذي كان مستسلما للتيار يدفعه ......وفجأة فتح عينيه على بريق أعين حانية وأيد دافئة.... تنقذه وتنتشله... وقلب محب يناديه...


ومضت الأيام ...وصرت أتردد على المسجد قليلا ..ونمت علاقة أخوة بيني وبين إمام المسجد....
ما أجمل المودة بالله....كان يملك صفاءًعجيبا وعطاءً بدون انتظار ...كنبع الأم الذي لاينضب

وجاءت أوائل أيلول ....وكنت أترقب النتائج ...نتائج المواد بلهفة وقلق ....وكان الانتظار قاسيا بلا حدود ..وكانت النتائج مروعة مؤلمة

ماذا سأكتب لك عن هذه الأيام ؟؟

هل فهمت قصدي ؟؟ آه كم كنت بحاجة إليك ...إلى حنانك يضمني ويخفف عني محنتي ......

لم أصدق الأمر في البداية ولكن بعد عدة أيام أفقت على الحقيقة ...عندها استوعبت

حاولت التماسك
استنجدت بإيماني بالله.....استنجدت بكبريائي ......استنجدت بعقلي ....لامجيب

لقد انهرت تماما ....تماما
في أعماقي مجرد شعور حطام ...شعور باليأس...بالعجز.....سيطرا علي خنقاني .....

وكنت وحيداً ... لقد نجحت شلتنا كلها عداي ....وما كنت أستطيع أن أحكي لأحد منهم ....

الأصعب من ذلك كله ....أنك لم تكوني معي ...كنت وحدي ...وقادتني قدماي من جديد إلى المسجد القريب ...

كنت بحاجة لأن أتكلم .....ولكن ليس مع أي أحد ....كنت بحاجة أن أزيح هذا الجبل الأسود الجاثم فوق صدري

ودخلت المسجد وكان خالياً تماماً إلا من إمام المسجد..

سلم علي ...وسألني بطمأنينة وطيبة عن أحوالي ...وعن الدوام إن كان قد بدأ...

ولمس مكمن الجرح

فانفجرت بالبكاء

حتى لم أعد أستطيع التوقف والسيطرة على نفسي ....أبداً أبدا...

كنت بحاجة أن أبكي ... وأبكي ..وأبكي حتى تذيب دموعي هذا الجبل المتراكم في داخلي ....
نظر إلي بدهشة واستغراب في البداية.....ثم تحولت نظراته إلى بحر حنان ....تشاغل عني ....حتى استطعت أن ألملم نفسي ...وأتمكن من الكلام ....وببضع كلمات مخنوقة تمتمت بها فسرت له ما حدث

.....تكلم معي يومها طويلا طويلا ....كلمني عن الرضا بالقدر ....كلمني عن الإيمان.....وكلمني عن الصبر

وخرجنا معا من المسجد ...وكانت رائحة المطر مازالت تعطر المكان كله.....وكانت يتابع حديثه وكانت دموعي تمتزج بدموع السماء ....تمنيت يومها ألا يتوقف المطر ...فقد أشعرني براحة كبيرة وأزال الجزء المتبقي من ذلك الجبل الأسود....كانت قطرات المطر تلمس اعماقي بحنان فتطفئ الجمر الملتهب القابع فيه
ومشينا ومشينا ......هدوء المكان وعبقه التشريني الممطر حملاني إلى حنانك البعيد- أمي- الذي أشتاق أن أرمي بأحمالي على أعتابه ،وأدخل معه قبساً من نور اليقين .....وعرفت كم أنا بحاجة لأقترب من الله وأختصر المسافات بيني وبينه

وصار يعود بي إلى كتاب الله وشرعه الحنيف ويقودني لأن أستشير كتاب الله ونبيه في كل أموري قبل أي شيء آخر....

...ولمست الفرق بين الاخوة بالله والصداقات التي بنيتها سابقا...

صداقتي كانت عقيمة .....غير معطاء ...لأنها بدأت بدون بذرة حقيقية

لقاؤنا للأسف ... لم يكن في الله

نعم تلاقينا بهواياتنا ...بمشاعرنا ....بميولنا

ولكن هذا البريق اختفى ....والنبع جف

عدت للدوام في الكلية من جديد....ووضعت برنامجاً جديداً للسنة بل لأيامي كلها ...وساعاتي
لقد كان الدرس قاسياً ...

ولكن ..التجارب تعلمنا الكثير ...الكثير
وأحيانا تكون منعطفاً كاملاً لحياتنا لابد أن نمر به كي نلزم الطريق الصحيح

..عدت للدوام نعم....وعدت أرى الشلة القديمة ...التي صارت لي ذكرى حلوة ببعض لحظاتها ...ومريرة ببعضها الآخر

حلوة بدفئها ...بحيويتها ...ولكنها مؤلمة بهشاشة بنائها...وعقمها ..لقد عدت لأبني صداقتي معهم من جديد ، آخذهم إلى المسجد ....من حيث بدأت...

والآن... محاضرتي بعد قليل ،لذلك سأنهي رسالتي التي أكتبها لك من المسجد الذي ما توقفت من الإلتزام به منذ ذلك اليوم فهو بيتي ومنه أختار وأبني صداقاتي ومن مكتبته أشتري كتبي...منهج حياتي

هو بيت الله حقا ولكن أنا من أعمره...

أستودعك الله ،وإلى أن ألقاكم في العطلة القادمة أطلب دعاءك ورضاك عني ...


إبنك العائد إلى الله


م
ن
ق
و
ل
ة

₪ لبيـــه ₪
01-06-2006, 08:53 PM
تسلمين فراشه الهير ع القصه المؤثره

الله يهدينا ويهدي أمه محمد أجمعين

والله يعطيج الأجر والعافيه

اشتقت للامارات
01-06-2006, 09:46 PM
مااجملها من توبه صادقه نابعه من القلب
جزاكى الله خير الجزاء
تسلمين فراشه الهير على القصه المميزه

الفلاحي
01-06-2006, 10:03 PM
مشكورة وما تقصرين
والله يجعلة في ميزان حسناتج

فراشة الهير
01-06-2006, 10:26 PM
₪ لبيـــه ₪ جزاك الله خير على المرور.اسأل الله لي ولك ولكل المسلمين حسن الختام وطيب المقام وصحبة
الأخيار من الأنبياء والأبرار والصالحين الأطهار واسأله تعالى أن يلهمنا
رشدنا وأن يفقهنا في ديننا ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا
الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اشتقت للامارات .. نسال الله العون ونساله صدق التوكل عليه وحسن الظن به
جزاك الله خيرا شاكره لك مرورك.

الفلاحي جزاك الله خير على المرور اللهم اغفر لنا ذنوبنا واجعلنا من التوابين الاوابين اسعدني كثيرا تواجدك

عاشقة البداوه
01-06-2006, 11:49 PM
تسلمين فراشة الهير عالموضوع ...........

يزاج الله خير وفي موازين حسناتج ..........

فراشة الهير
02-06-2006, 11:05 AM
جزاكِ الله خير يا حبيبة عاشقة البداوه على المرور .