المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثرثار يمنحك الإصغاء !



@سرقتي قلبي@
01-05-2010, 02:32 PM
بدايةً
أعلم أن الثرثرة سبب رئيسي لصداع الرأس وأمراض القلب والشرايين .
وأدري بأن كثرة الكلام حماقة أعيت من يداويها .
بل إن المُداوي أحمق أيضاً !
وأعرف أن الكتابة قد حبستنا وأثقلتنا وكبلتنا .
فلا هيَ خلصتنا ولا هيَ تركتنا نقنع بخشاش الأرض !

ولكنها _أي الثرثرة_ بُدٌّ لا بُدّ منه .
ومناصٌ لا مناص منه , ومفرٌّ لا مفرّ منه .
وكونُك تملك القدرة على الكلام , على الحديث , وعلى الكتابة
أن تصيح بأعلا صوتك !
فهذا أمر جيد , ربما يدل على أنك مازلت قادراً على مقاومة الموت , الموت صمتاً !
فـ الصامتون موتى لم يدفنهم أحدٌ بعد !

لا أستطيع أن أتصور الحياة بلا ثرثرة , بلا كتابة .
ربما يُخيل لي أكثر من مرة أن فقدي للقدرة على السمع أو الشم أو الذوق
أهون عندي من فقد القدرة على الكلام !




ثمّ
عندما فقدت "إحداهنّ" القدرة على الكلام , أو القدرة على إيجاد من يصغي للكلام
قررَت أن تلتزم الصمت !
فكبتتْ وكنّت كل ما كان يبدو لها أنه لايمكنها الإفصاح عنه .
حتى همت ذات يوم بالموت عمداً ! _الإنتحار_ .

كنتُ أقرأ لها كتاباتها خلسة ودون أن تشعر .
فالرف الذي يضم كتابها الخاص كان _يُشبهها_ في متناول اليد !
قرأتها وقرأت لها ونار همومها من وراء الحرف تعمل في أعماقي .
وكيف بقلبين جعلهما الرب رتقاً ولم يفتقهما ؟!
شيءُ يربطنا إسمه الحب , وشيء آخر هو الدم .
نعم هو كذلك !
إذ لا تسري كريات الدم إلى جسدها النحيل إلا من خلال شراييني
ولا تأوي إلى قلبي إلا من خلال وريدها !

كانت الحياة فضاءً شاسعاً قبل أن تضيق في عينيها كـ خُرم إبرة !
وقبل أن تشعر بأنها تحاول الولوج في سَم خياط .
لتنفذ إلى حلم يستحيل ويستحيل تحقيقُه .
وبدون تحقيقه هيَ لا تشعر بأدنى رغبةٍ في البقاء , في الصمت !
فالصامتون موتى لم يدفنهم أحد بعد !

تساوت أمامها موازين الحياة والموت .
وشمس الكبت والتصبر آلت للزوال حتى أصبح ظل شيءٍ مثله !
وكفى بالإنسان إحباطاً أن تتساوى في وجهه المتناقضات !

لم أمنحها سوى الإصغاء , والوقت , وسوى أذنٍ سامعه .
لتقول أنا "مهمومة" "محزونه" "مُهمّشة"
"أعيش خارج نطاق الشعور بالشعور"
"الإحساس بالإحساس" "الوجود في الوجود" "الحياة في الحياة" !

منحتُها الإصغاء على عكس الآخرين , ولن أدعي أكثر من ذلك .
لكنني على الأقل لم أكن أشبه الآخرين "كثيراً" رغم التشابُه !
سوى أنني ثرثارٌ مازال يحيا , و"الآخرون" موتى لم يدفنهم أحد بعد !

لقد أدركتُها وهذه تكفيني , أدركتُها قبل إبرام القرار !
أدركتها وحَسْب !!
وهذا شعور جميل مازلت إلى اليوم أتيه به فخراً .
رغم الضرائب اليومية اللتي مازلت أدفعها !
فقد أصبح لزاماً عليّ الإصغاء إلى كل ثرثرتها المخزونة .
وقراءة كل ما تبقى من رسائلها .
تلك اللتي بعثَتها إلى المجهول !

هي لم تكن تريدُ من المجهول أكثرَ من الإصغاء .
ولكنني أظن أن هذا المجهول كان أقسى وأكثر أنانية من أن يمنحها ترفاً كهذا !




ويحَه !!