مجرد ذكريات!
14-03-2009, 10:50 PM
حبٌ لا يموت..!
قال الراوي.. ودمع الذكريات يتلألأ في ناظريه :
** سأحدثكم عن صاحبي الذي رحل.. وبقيت ذكراه كما يبقى الندى على كفوف الورد بعد فجرٍ ضحوك..!
عرفتُه.. فعرفت أن للحق رجالاً لا يهابون إلا الله..
وأن أمتنا كالغيث.. لا يُدرى خيره في أوله أم في آخره..
وأن للبطولة شبابًا.. هم كأزاهير الأمل بين حقول اليأس..!
وأيقنت أن الجهاد مدرسةٌ.. معلموها أبطال أشاوس.. وكراريسها ميدان وقتال.. وأقلامها سلاح ورصاص..!
* * * * *
في تلك القرية التي تنام على سفح جبل أشم.. كانت أول مرةٍ التقينا فيها.. وفي تلك الليلة التي نقشت ذكرياتها في القلب كانت بداية حكايتي مع صاحبي..
كان المجاهدون ينتظرون الإشارة بالتحرك في المسيرة التي ستستمر ساعاتٍ طويلة.. والوقت يزحف ببطء كما تزحف كل لحظات الارتقاب.. والكل لا يريد أن ينام.. علّ الفجر أن يُعجل بقدومه لتبدأ المسيرة نحو المكان الذي يُنسى كل شئ ولا يُنسى طيفه وذكراه..!
** " أأنت عربي..؟! " .. قالها ( س . أ ) وتلك الابتسامة الساحرة ترتسم على شفتيه..
** " نعم.. ومن بلاد الحرمين..؟!"
** " الله أكبر.. إذن أنت تعرف الشيخ سعد الغامدي..؟!" ..
** " سبحان الله.. وهل تعرف الشيخ ؟! ".. قلتها مستعجبًا أن يصل ذكر قرائنا إلى تلك الجبال التي لا يكاد يُسمع فيها إلا دوي القنابل وأزيز ( السوخوي ) وعزف الرصاص..!
فأخرج من جيبه شريط كاسيت.. وقال لي مبتسمًا :
** " هذا هو الشيخ سعد.. عفوًا : أقصد صوت الشيخ سعد الغامدي "..
ثم نهض من عندي.. وذهب ليسامر أحد الإخوة..!
كان كالنحلة.. يطير من مكانٍ إلى مكان.. يُمازح هذا.. ويُداعب ذاك.. ويتعرف إلى ثالث.. حتى غفت العيون وهجعت الأجساد.. ونام كل الإخوة..
ظللت في مهجعي أستجدي النوم أن يأتي.. فلا يستجيب.. حاولت الخروج من البيت الصغير الذي كنا فيه.. فتذكرت أمر الأمير بعدم الخروج إطلاقًا إلا لأمرٍ مهمٍ.. وباحتياطات مشددة.. لأن المنطقة غير آمنة.. والوشاة كثيرون..
التفتُ إلى فِراش ( س . أ ) فلم ألمحه هناك.. أين ذهب يا تُرى..؟! .. لا أظنه سيعصي الأمير وهو ساعده الأيمن..!
** " ... اللهم إني أسألك الشهادة.. اللهم احشرني من حواصل الطير وأفئدة السباع.. اللهم ...."!! .. تناهت إلى سمعي هذه الكلمات الهامسة المتضرعة الصادقة.. فالتفتُ صوبها.. لأرى طيفَ أحد الإخوة واقفًا يُصلي والناس نيام..!
دفعني الفضول إلى الذهاب إليه بعد انقضائه من الصلاة.. سألته.. ( كتو تام ) .. أي : من هناك..؟!
فأجابني صوتٌ تكرر على سمعي تلك الليلة كثيرا :
** " .. أهو أنت؟! .. أصلحك الله..!! " ..
لقد كان صوته هو.. صوت أخي ( س . أ ) ..!
ثم قال لي معاتبًا :
" .. نم .. نم يا ( ...... ) فإن أمامك مسيرة طويلة.. وتعبًا ناصبًا.. واترك عنك الفضول.. أما أنا؛ فسأنام الآن.. لأني قضيت وقتًا طويلاً في الخلاء بعد وجبة العشاء التي طبخها ( ....... ) !! "
علمتُ حينها أن ( س . أ ) نسيج وحده.. لا يطرب لثناء.. ولا ينتشي لمديح.. ولا يفرح أن يُحمد بما يفعل.. فضلا عما لم يفعل..!
** " حسنًا .. سأذهب ولكن لا تزعجني بذهابك إلى الخلاء مرة أخرى ..!! "..
وعدتُ إلى الفراش.. وغلبت عيني سنةٌ من النوم..
* * * * *
" ...بوم .. بوم .. بوم .. بوم .. " !!
.يا إلهي .. ما هذا..؟! .. هببت من فراشي مذعورًا.. كان دوي القنابل يصم الآذان.. والنوافذ تهتز من قوة الصوت.. وما بقي أحدٌ من الإخوة إلا استيقظ..
** " ... لا تخافوا.. إنها تبعد عنا كيلومترات كثيرة !! " .. قالها ( س . أ ) بكل هدوء وثبات..
وغشا المكان غلالةٌ من الصمت.. لا يقطعه غير دوي قصفٍ يتكرر بين لحظاتٍ وأخرى.. والإخوة قد اجتمعوا حول النافذة يقلبون وجوههم في السماء ليروا الطائرات التي تقصف.. فلا يرون سوى سوادٍ وعتمةٍ تغطي الكون..!
همستُ في أذنه :
** " .. على أي مكانٍ بالضبط تنزل تلك القذائف.. ؟! " ..
فابتسم وقال :
** " .. على أي مكان..؟! .. على الكتيبة التي سنسير إليها غدًا إن شاء الله ..! "
** " .......... "
** " لقد نفذت الكتيبةُ عملية فجر اليوم.. وكالعادة؛ جُن جنون الروس.. وبدأو في القصف العشوائي.. لكن لا عليك.. كلها قذيفةٌ أو قذيفتان.. وجريحٌ أو جريحان.. وشهيدٌ أو شهيدان..!"
** " كان الله في عونهم..؟! " ..
فغمزني باسمًا .. وقال :
** " .. بل قل كان الله في عوننا.. لأننا سنكون معهم غدًا إن شاء الله .. "
* * * * *
وتنفس الصبحُ عن يومٍ لا يُنسى..
وبدأت المسيرة..
وبدأت معها صفحةٌ خالدة من رواية الأمل الباسم
هي ليست مجرد ذكريات.. بل هي نسماتُ الأمل التي تستروح النفس في أفيائها حين الهجير..
وهي بعض ما يعيش عليه الخاطرُ المكدود لئلا يقضي عليه الأسى..!
وهي..
هي أمشاجٌ من القلبِ.. وكفى..!
* * * * *
وسكت الراوي.. بعد وعدٍ منه أن يُكمل الحديث عن صاحبه وعن تلك الأيام..
وعن الحب الذي لا يموت ..!
[ والعهدة على الرواي.. ]
يتبع ان وجد الاهتمام
قال الراوي.. ودمع الذكريات يتلألأ في ناظريه :
** سأحدثكم عن صاحبي الذي رحل.. وبقيت ذكراه كما يبقى الندى على كفوف الورد بعد فجرٍ ضحوك..!
عرفتُه.. فعرفت أن للحق رجالاً لا يهابون إلا الله..
وأن أمتنا كالغيث.. لا يُدرى خيره في أوله أم في آخره..
وأن للبطولة شبابًا.. هم كأزاهير الأمل بين حقول اليأس..!
وأيقنت أن الجهاد مدرسةٌ.. معلموها أبطال أشاوس.. وكراريسها ميدان وقتال.. وأقلامها سلاح ورصاص..!
* * * * *
في تلك القرية التي تنام على سفح جبل أشم.. كانت أول مرةٍ التقينا فيها.. وفي تلك الليلة التي نقشت ذكرياتها في القلب كانت بداية حكايتي مع صاحبي..
كان المجاهدون ينتظرون الإشارة بالتحرك في المسيرة التي ستستمر ساعاتٍ طويلة.. والوقت يزحف ببطء كما تزحف كل لحظات الارتقاب.. والكل لا يريد أن ينام.. علّ الفجر أن يُعجل بقدومه لتبدأ المسيرة نحو المكان الذي يُنسى كل شئ ولا يُنسى طيفه وذكراه..!
** " أأنت عربي..؟! " .. قالها ( س . أ ) وتلك الابتسامة الساحرة ترتسم على شفتيه..
** " نعم.. ومن بلاد الحرمين..؟!"
** " الله أكبر.. إذن أنت تعرف الشيخ سعد الغامدي..؟!" ..
** " سبحان الله.. وهل تعرف الشيخ ؟! ".. قلتها مستعجبًا أن يصل ذكر قرائنا إلى تلك الجبال التي لا يكاد يُسمع فيها إلا دوي القنابل وأزيز ( السوخوي ) وعزف الرصاص..!
فأخرج من جيبه شريط كاسيت.. وقال لي مبتسمًا :
** " هذا هو الشيخ سعد.. عفوًا : أقصد صوت الشيخ سعد الغامدي "..
ثم نهض من عندي.. وذهب ليسامر أحد الإخوة..!
كان كالنحلة.. يطير من مكانٍ إلى مكان.. يُمازح هذا.. ويُداعب ذاك.. ويتعرف إلى ثالث.. حتى غفت العيون وهجعت الأجساد.. ونام كل الإخوة..
ظللت في مهجعي أستجدي النوم أن يأتي.. فلا يستجيب.. حاولت الخروج من البيت الصغير الذي كنا فيه.. فتذكرت أمر الأمير بعدم الخروج إطلاقًا إلا لأمرٍ مهمٍ.. وباحتياطات مشددة.. لأن المنطقة غير آمنة.. والوشاة كثيرون..
التفتُ إلى فِراش ( س . أ ) فلم ألمحه هناك.. أين ذهب يا تُرى..؟! .. لا أظنه سيعصي الأمير وهو ساعده الأيمن..!
** " ... اللهم إني أسألك الشهادة.. اللهم احشرني من حواصل الطير وأفئدة السباع.. اللهم ...."!! .. تناهت إلى سمعي هذه الكلمات الهامسة المتضرعة الصادقة.. فالتفتُ صوبها.. لأرى طيفَ أحد الإخوة واقفًا يُصلي والناس نيام..!
دفعني الفضول إلى الذهاب إليه بعد انقضائه من الصلاة.. سألته.. ( كتو تام ) .. أي : من هناك..؟!
فأجابني صوتٌ تكرر على سمعي تلك الليلة كثيرا :
** " .. أهو أنت؟! .. أصلحك الله..!! " ..
لقد كان صوته هو.. صوت أخي ( س . أ ) ..!
ثم قال لي معاتبًا :
" .. نم .. نم يا ( ...... ) فإن أمامك مسيرة طويلة.. وتعبًا ناصبًا.. واترك عنك الفضول.. أما أنا؛ فسأنام الآن.. لأني قضيت وقتًا طويلاً في الخلاء بعد وجبة العشاء التي طبخها ( ....... ) !! "
علمتُ حينها أن ( س . أ ) نسيج وحده.. لا يطرب لثناء.. ولا ينتشي لمديح.. ولا يفرح أن يُحمد بما يفعل.. فضلا عما لم يفعل..!
** " حسنًا .. سأذهب ولكن لا تزعجني بذهابك إلى الخلاء مرة أخرى ..!! "..
وعدتُ إلى الفراش.. وغلبت عيني سنةٌ من النوم..
* * * * *
" ...بوم .. بوم .. بوم .. بوم .. " !!
.يا إلهي .. ما هذا..؟! .. هببت من فراشي مذعورًا.. كان دوي القنابل يصم الآذان.. والنوافذ تهتز من قوة الصوت.. وما بقي أحدٌ من الإخوة إلا استيقظ..
** " ... لا تخافوا.. إنها تبعد عنا كيلومترات كثيرة !! " .. قالها ( س . أ ) بكل هدوء وثبات..
وغشا المكان غلالةٌ من الصمت.. لا يقطعه غير دوي قصفٍ يتكرر بين لحظاتٍ وأخرى.. والإخوة قد اجتمعوا حول النافذة يقلبون وجوههم في السماء ليروا الطائرات التي تقصف.. فلا يرون سوى سوادٍ وعتمةٍ تغطي الكون..!
همستُ في أذنه :
** " .. على أي مكانٍ بالضبط تنزل تلك القذائف.. ؟! " ..
فابتسم وقال :
** " .. على أي مكان..؟! .. على الكتيبة التي سنسير إليها غدًا إن شاء الله ..! "
** " .......... "
** " لقد نفذت الكتيبةُ عملية فجر اليوم.. وكالعادة؛ جُن جنون الروس.. وبدأو في القصف العشوائي.. لكن لا عليك.. كلها قذيفةٌ أو قذيفتان.. وجريحٌ أو جريحان.. وشهيدٌ أو شهيدان..!"
** " كان الله في عونهم..؟! " ..
فغمزني باسمًا .. وقال :
** " .. بل قل كان الله في عوننا.. لأننا سنكون معهم غدًا إن شاء الله .. "
* * * * *
وتنفس الصبحُ عن يومٍ لا يُنسى..
وبدأت المسيرة..
وبدأت معها صفحةٌ خالدة من رواية الأمل الباسم
هي ليست مجرد ذكريات.. بل هي نسماتُ الأمل التي تستروح النفس في أفيائها حين الهجير..
وهي بعض ما يعيش عليه الخاطرُ المكدود لئلا يقضي عليه الأسى..!
وهي..
هي أمشاجٌ من القلبِ.. وكفى..!
* * * * *
وسكت الراوي.. بعد وعدٍ منه أن يُكمل الحديث عن صاحبه وعن تلك الأيام..
وعن الحب الذي لا يموت ..!
[ والعهدة على الرواي.. ]
يتبع ان وجد الاهتمام